سورة البلد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البلد)


        


{لا أُقْسِمُ} يعني، أقسمُ {بِهَذَا الْبَلَدِ} يعني مكة {وَأَنْتَ حِلٌّ} أي حلال، {بِهَذَا الْبَلَدِ} تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم. أحل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، حتى قاتل وَقَتل وأمر بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، ومِقْيَس بن صُبَابة وغيرهما، فأحل دماء قوم وحرم دماء قوم فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم قال: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، ولم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة.
والمعنى: أن الله تعالى لما أقسم بمكة دلَّ ذلك على عظيم قدرها مع حرمتها، فوعد نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يحلها له حتى يقاتل فيها، وأن يفتحها على يده، فهذا وعد من الله عز وجل بأن يحلها له.
قال شرحبيل بن سعد: ومعنى قوله: {وأنت حل بهذا البلد} قال: يحرمون أن يقتلوا بها صيدًا ويستحلون إخراجك وقتلك؟


{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} يعني آدم عليه السلام وذريته. {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ} روى الوالِبِيُّ عن ابن عباس: في نَصَب. قال الحسن: يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة. وقال قتادة: في مشقة فلا تلقاه إلا يكابد أمر الدنيا والآخرة.
وقال سعيد بن جبير: في شدة. وقال عطاء عن ابن عباس: في شدة خلق حمله وولادته ورضاعه، وفطامه وفصاله ومعاشه وحياته وموته.
وقال عمرو بن دينار: عند نبات أسنانه. قال يمان: لم يخلق الله خلقًا يكابد ما يكابد ابن آدم، وهو مع ذلك أضعف الخلق. وأصل الكَبَد: الشدة.
وقال مجاهد، وعكرمة، وعطية، والضحاك: يعني منتصبًا معتدل القامة، وكل شيء خلق فإنه يمشي مكبًا، وهي رواية مقسم عن ابن عباس، وأصل والكبد: الاستواء والاستقامة.
وقال ابن كيسان: منتصبًا رأسه في بطن أمه فإذا أذن الله له في خروجه انقلب رأسه إلى رجلي أمه.
وقال مقاتل: {في كبد} أي في قوة.
نزلت في أبي الأشدين واسمه أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديدا قويا يضع الأديم العكاظي تحت قدميه فيقول: من أزالني عنه فله كذا وكذا، فلا يطاق أن ينزع من تحت قدميه إلا قطعًا ويبقى موضع قدميه. {أَيَحْسَب} يعني أبا الأشدين من قوته، {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} أي: يظن من شدته أن لن يقدر عليه الله تعالى. وقيل: هو الوليد بن المغيرة. {يَقُولُ أَهْلَكْتُ} يعني أنفقت، {مَالا لُبَدًا} أي كثيرًا بعضه على بعض، من التلبيد، في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، قرأ أبو جعفر لُبَّدا بتشديد الباء على جمع لا بد، مثل راكع وركع، وقرأ الآخرون بالتخفيف على جمع لِبْدة، وقيل على الواحد مثل قُثَم وحُطَم.


{أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} قال سعيد بن جبير وقتادة: أيظن أن الله لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه، وأين أنفقه؟
وقال الكلبي: إنه كان كاذبا في قوله أنفقت كذا وكذا، ولم يكن أنفق جميع ما قال، يقول أيظن أن الله عز وجل لم يَرَ ذلك منه فيعلم مقدار نفقته، ثم ذكرَّه نعمه ليعتبر، فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} قال قتادة: نِعَمُ الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر، وجاء في الحديث: أن الله عز وجل يقول: ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين، فأطبق، وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق. {وَهَدَيْنَاهُ 1 النَّجْدَيْنِ} قال أكثر المفسرين: طريق الخير والشر، والحق والباطل، والهدى والضلالة، كقوله: {إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا} وقال محمد بن كعب عن ابن عباس: {وهديناه النجدين} قال: الثديين، وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك، والنجد: طريق في ارتفاع. {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} يقول: فهلا أنفق ماله فيما يجوز به من فك الرقاب وإطعام السَّغْبَان، فيكون خيرًا له من إنفاقه على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا قول ابن زيد وجماعة.
وقيل: {فلا اقتحم العقبة} أي لم يقتحمها ولا جاوزها. والاقتحام: الدخول في الأمر الشديد، وذكْرُ العقبة هاهنا مَثَلٌ ضربه الله لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، يقول: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة ولا طعام، وهذا معنى قول قتادة.
وقيل: إنه شبَّه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة، فإذا أعتق رقبة وأطعم كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها. وروي عن ابن عمر: أن هذه العقبة جبل في جهنم.
وقال الحسن وقتادة: عقبة شديدة في النار دون الجسر، فاقتحموها بطاعة الله تعالى.
وقال مجاهد، والضحاك، والكلبي: هي صراط يضرب على جهنم كحدِّ السيف، مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلا وصعودًا وهبوطًا، وإن بجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنها شوك السعدان، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكردس في النار منكوس، فمن الناس من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح العاصف، ومنهم من يمر كالفارس، ومنهم من يمر عليه كالرجل يعدو، ومنهم من يمر كالرجل يسير، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم الزالُّون، ومنهم من يكردس في النار.
قال ابن زيد: يقول فهلا سلك الطريق التي فيها النجاة.

1 | 2